jeudi 3 mars 2011

بن علي وطارق بن عمار: لغز بصدد التكشف




في خضم الانتفاضة و بينما كان الرصاص يحصد بشكل متزايد شباب القصرين و سيدي بوزيد و تحديدا أسبوعا قبل هروب بن علي تناقلت أهم المواقع الفرنسية نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية تقريرا عن ندوة حول العلاقات بين ضفتي المتوسط نظمتها وزارة الاقتصاد الفرنسية يوم 7 جانفي. اللقاء الذي حضرت فيه وزيرة الخارجية الفرنسية تعرض بشكل محتشم للوضع المتفجر في تونس و اكتفت الأخيرة بالاشارة الى أن ذلك ناتج عن « مشكل بطالة » لاغير. الآن نعرف طبعا أكثر من ذلك الوقت العلاقات المشبوهة لايليوت-ماري بالعائلة الحاكمة في تونس و بالتالي دواعي تهميشها الطابع السياسي للانتفاضة حينها في تونس و دفاعها حتى اللحظة الأخيرة عن بن علي و المبادرة الى اعلان الرغبة في تقديم مساعدة امنية لنظامه في الاسبوع الأخير للانتفاضة.

غير أن من بين الحضور في ذات الندوة ضيفا آخر من الصعب أن يغيب على ما يبدو عن لقاءات فرنسية يمكن أن تتعرض الى الوضع في تونس. أعني التونسي-الفرنسي طارق بن عمار، سليل عائلة بن عمار المعروفة و الذي من العادة أن يتم التذكير في الصحف الدولية بأنه قريب وسيلة بن عمار زوجة الرئيس الراحل بورقيبة. أبدى طارق بن عمار رايه فيما يحصل في تونس في هذه الندوة يوم 7 جانفي كما يلي: « تصوروا شخصا أو شخصين مثل أحمدي نجاد في الجزائر، و تونس، أو المغرب… و حينها بين 5 و 10 ملاين شخصا سيغادرون شواطئ شمال افريقيا الى كورسيكا و سردينيا و صقلية و الساحل الأزوري ».

http://tempsreel.nouvelobs.com/actualite/societe/20110107.AFP9038/la-france-dans-l-embarras-face-aux-troubles-en-tunisie-et-algerie.html

كان تحذيرا واضحا من أن المآل المتوقع للانتفاضة المتصاعدة آنذاك ضد بن علي هي شخصية دينية متطرفة تسبب أزمة لاجئين تهدد أمن دول الضفة الشمالية للمتوسط بما في ذلك فرنسا. كان تخويفا واضحا من أن البديل عن بن علي هو ببساطة كارثة.

و لهذا فعندما ظهر بن عمار مباشرة اثر رحيل بن علي في عدد من المنابر الاعلامية الفرنسية يشيد بالثورة كان ذلك مشهدا شديد الوطأة خاصة عندما لاحظت عددا من التونسيين المخدوعين يفتخر بتلك المواقف. و الأدهى أن في أحد هذه الحوارات التي انقلب فيها بشكل كامل عن مواقفه الداعمة حتى آخر لحظة لبن علي وصف تونس بأنها « ليست إيران » (حوار مع قناة « تي أف 1″ يوم 18 جانفي) في الوقت الذي كان يتوقع فيه قبل اسبوع من رحيل بن علي بسيناريو ايراني في تونس في سياق تخويف باريس من سقوط بن علي.

http://videos.tf1.fr/infos/2011/islamisme-la-tunisie-n-est-pas-l-iran-6226820.html#voir_commentaires

الحقيقة أن هذا التعلق القوي ببن علي ليس مجرد مصادفة، أو اجتهاد بريء معزول عن أي خلفيات اخرى مصلحية. إذ ربما يبدو طارق بن عمار لغزا و من النوع الثقيل إلا أنه يبدو قد بدأ في التكشف أكثر من اي وقت مضى في الأشهر و خاصة الأسابيع الأخيرة.

2

نشرت منذ حوالي الأسبوع نشرية « لسبريسو-ريبوبليكا » الايطالية دفعة جديدة من وثائق « ويكيليكس » من البرقيات الديبلوماسية الامريكية التي يتم تسريبها منذ أشهر. و من بين الوثائق الجديدة المتعلقة ببرقيات السفارة الامريكية في روما برقية تتحدث عن زيارة سرية قام بها سيلفيو برلسكوني الى بن علي في شهر أوت سنة 2009 و « أنها كانت خاصة الى درجة أنه لم يعلم بها أي من وزيري خارجية البلدين ». الزيارة كانت لنقاش « مصالح اقتصادية » تجمع الشخصين (و ليس البلدين) و لكن تمت الاشارة في هذا الاطار الى أن برلسكوني كان مرافقا في هذه الزيارة بشخص واحد: نعم كان ذلك الشخص هو طارق بن عمار. البرقية تشير اثر ذلك الى ملكية برلسكوني في تونس لستوديوهات سينمائية و شركة توزيع و ما يعرف عن تقاسمه مع بن عمار 50 في المئة من أسهم قناة « نسمة ».

http://www.rainews24.rai.it/it/news.php?newsid=150429

و من المعروف هنا أن بن عمار أصبح منذ 21 ماي 2008 يملك حوالي 25 في المئة من اسهم هذه القناة عبر شركة « كوينتا كومنيكايشين » في حين يملك بيرلسكوني الربع الباقي عبر شركته « ميديا سات ». البرقية أعلاه تركز أيضا على قوة علاقات برلسكوني ببن علي و القذافي معا. و تشير بشكل خاص الى بدئ العلاقة الحميمية بين برلوسكوني و القذافي منذ سنة 2002. لكن التطور الآخر الذي حصل في الأيام الأخيرة هو أن السلطات الايطالية قد كشفت عن ودائع و أموال و املاك القذافي في ايطاليا و يتم الاشارة في هذا السياق أن القذافي يملك 10 في المئة من اسهم شركة « كوينتا كومينيكايشين » بشكل مقنع عبر « مبعوثه طارق بن عمار » على حد قول المصادر الايطالية.

http://www.edizionioggi.it/esteri-africa/2011/3/1/news-12006/gheddafi-siamo-una-famiglia-modesta.html

هذه المعطيات لم تكن مجهولة تماما. قبل أكثر من عامين (سبتمبر 2009) كتب الصحفي البريطاني جون هوبر في « الغارديان » مقالا راج بشكل واسع حول طبيعة المصالح المتشابكة بين برلسكوني و القذافي و اشار بشكل خاص الى خبر صغير ورد في وكالة « راديوكور » الايطالية حول شراء شركة ليبية اسمها « لافيترايد » 10 في المئة من الشركة المسجلة باسم بن عمار أي « كوينتا كومينيكاشيون ». و « لافيترايد » شركة استثمارية دولية مملوكة من قبل عائلة القذافي. هوبر يقول أيضا أن الأخيرة يشارك في ملكيتها أيضا برلسكوني بنسبة 22 في المئة.

http://foreignpolicy.it/adon.pl?act=doc&doc=5205

بن عمار قال في المقابل (لصحيفة ريبوبليكا) أن هناك شركتين باسم « كوينتا » واحدة مسجلة في ايطاليا و الاخرى في فرنسا، غير أن ذلك لا يبدو أنه أقنع أحدا.

http://www.babelmed.net/Countries/Italy/nessma_tv.php?c=4864&m=19&l=en

خاصة أن التقارير التي نشرت في الصحف الايطالية اليومين الاخيرين تؤكد على ربط « كوينتا » التي يملك فيها القذافي اسهما بطارق بن عمار. سبب هذا الجدال طبعا أن ذلك يمكن أن يعني أن القذافي يملك اسهما في قناة « نسمة » و هو ما يعكس العلاقة القوية بين بن عمار و القذافي، بل العلاقة تبدو بين مشغل و مشتغل اذا اتبعنا توصيف الصحف الايطالية. و هذه المعطيات تبدو متناسقة مع المعطيات التي تم تداولها حول أن الحوار الذي تم بثه يوم 25 جانفي في « نسمة » مع القذافي، لترطيب التصريحات المعادية للثورة التونسية، جاء اثر لقاء بين بن عمار و الأخير.

3

اسم قناة « نسمة » يتكرر بشكل ملفت مع سيرة بن عمار خاصة عندما يتعلق الامر بعلاقاته المتشابكة ببرلسكوني و القذافي. غير أن هناك اسماء آخر يحيلنا على الموضوع الأساس هنا اي تشابك علاقة هذا الثلاثي (بن عمار/برلسكوني/القذافي) و « نسمة » ببن علي. هذا الاسم هو فتحي الهويدي الذي كان كاتب الدولة للاعلام في أحلك فترات بن علي في التعتيم الاعلامي في تونس خلال التسعينات. ما دخل فتحي الهويدي في كل هذا؟ بعد تهميشه لسنوات من قبل غريمه عبد الوهاب عبد الله في اطار الصراعات داخل داخل السلطة تم تعيين العويدي رئيسا لمجلس ادارة « نسمة » في ذات اليوم الذي اشترى فيه كل من بن عمار و برلسكوني نسبة 50 في المئة من اسهم قناة « نسمة » اي يوم 21 ماي 2008.

http://ar.webmanagercenter.com/management/article.php?id=751

http://www.businessnews.com.tn/details_article.php?t=519&a=15687&temp=1&lang=&w=

ربما تبدو تلك قصة قديمة لا تهمنا الآن. لكن ما أصبح واضحا حاليا أن الهويدي لايزال يلعب حتى هذه اللحظة دورا محوريا في رسم الخط التحريري للقناة، و يبدو أن الهويدي لايزال منجذبا الى خلفيته التجمعية في التوصيات التي يقدمها لصحفيي القناة. على الأقل ذلك ما عبر عنه أحدهم بعد مغادرتها احتجاجا على ذلك. أترك هنا تكلمة القصة للصحفي نصر الدين بن حديد الذي أدلى بتصريحات منذ اسبوعين في هذا الشأن لموقع « الهدهد » (بتاريخ 18 فيفري 2011) أعيد نشرها كما هي بدون تعليق:

« الصحفي نصر الدين بن حديد أكد أن مغادرته لقناة نسمة كانت وراء الضغوطات التي مورست في حقه لتبييض صورة التجمع الدستوري الديمقراطي، فقد عمل في قسم الترجمة بقناة نسمة قبل سنة وعاد قبل الأحداث لإعداد برنامج صحفي »مساحة حرة« .
ويقول بن حديد : » نسمة ليست قناة سياسة وليس لها هذا العمق، كل ما يقدم فيها من برامج ترفيهية وثقافية، وفي كراس الشروط ممنوع عليها ممارسة السياسة، لكننا مع بداية الأحداث تجندنا للعمل ليلا نهارا ومسكنا بزمام الأمور وقدمنا ملفات حوارية ثرية لكن فجأة تم إبعادي دون إعلامي« .

وحول البرنامج الحواري الذي قدمه بن حديد مع بعض الشخصيات الدستورية في عهد بورقيبة والذي لاقى استحسان ورفض الجمهور خاصة حين ظهر عياض الوردني أحد رموز الفساد السياسي في عهد بن علي على شاشة نسمة. حول خلفيات ذلك الحوار تحد نصر الدين بن حديد للهدهد الدولية : « عياض الوردني لم يكن مبرمجا، لكن فتحي الهويدي مستشار الشؤون السياسية في قناة « نسمة » طلب مني وبطريقة لبقة جدا إجراء حوار مع عياض الوردني بتعلة عدم الإقصاء وحرية الرأي، وعلي أن أكون هادئا أثناء محاورته ولكني حين جلست إليه سألت أسئلتي التي أراها طبيعية .

كما طلب مني أيضا إجراء حوار مع محمد الغرياني الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي لتبييض صورة التجمع الديمقراطي، وسلموني ورقة بها أسئلة أعتبرها غبية جدا وأتحمل مسؤوليتي في هذا الوصف، لكني سألت الغرياني أسئلة محرجة وقد اعترف بإفلاس النظام السياسي لبن علي، وقد قال بالحرف أن « حزب التجمع انتهى » وأنكر أن يكون للتجمع يد تحرك المليشيات التي تروع التونسيين، بل قال « نحن نتطلع للمشاركة في الحياة السياسية كحزب معارض ضمن اللعبة السياسية، لكن الحوار لم ولن يبث لأنه لم يتم بالطريقة التي أرادها كاتب الدولة للإعلام السابق فتحي الهويدي« …
http://www.hdhod.com/%D9%85%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%AA%D8%B7%D9%87%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D8%A7%D8%AF-%D8%AE%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%B8%D9%81%D9%87-%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%89_a28604.html

5

طارق بن عمار رجل أعمال « ناجح ». لكنه ايضا موجود على مفترق الطرقات في التشابك الخطير و غير المريح بتاتا بين البيزنيس و السياسة و أوساط نعرف الآن مدى تعفنها مثل القذافي و بن علي. ما هو غير مريح ايضا هو تطويع أداة سامية مثل السينما في هذا التشابك الخطير. إذ ليس من المصادفة أن بن عمار كان سيكون منتجا للشريط الذي كان من المزمع تصويره مستوحى من « رواية » للقذافي، و يمكن لنا خاصة في هذه الأجواء حيث يقصف الأخير شعبه بجميع أنواع الاسلحة، أن نتصور كيف سيكون « عملا دراميا » من هذا النوع مجرد فيلم بروباغندا يقدم القذافي كروائي و مفكر ذي شأن

http://www.babnet.net/festivaldetail-15139.asp

المؤلم أن نفس هذا المنتج يريد أن ينتج شريطا حول محمد البوعزيزي، رمز هذه الثورة، و رمز الشباب الذي استشهد فيها برصاص بن علي في نفس الوقت الذي كان فيه بن عمار و حتى الاسبوع الأخير يساهم في حملة الترهيب المعادية للثورة، و بالتالي المبررة عمليا لحملة القمع الدموية التي كانت تجري على قدم و ساق.

هل يمكن أن يكون شخص بهذه العلاقات المتشابكة و المتماسة بأوساط الاستبداد و الفساد و الحائز على أدوات اعلامية و دعائية ضخمة أن يكون له أثر ايجابي على المشهد الاعلامي التونسي؟ اذ الأمر لا يتعلق بشخص محدد و نواياه بل ببنية علاقات تتحكم في عناصرها و شخوصها

Partager sur Facebook

.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire